حكم الغلو في القبور والآثار ( من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ) - رحمه الله
س: ما قولكم -دام فضلكم- في من يعقد عند أضرحة الأولياء والشهداء التي رفعت وشيدت احتفالا عظيما في يوم معين من كل سنة ، ويسمونه بالنذر السنوي ، ويجمعون له النذور والمدقات ، وينفقون تلك الأموال في الملاهي والألعاب المنوعة ، مع اختلاط النساء بالرجال ، كل هذا للتقرب إلى الولي بزعمهم ، وللتوسل إلى الله به ، والاستغاثة به ، ويزعمون أن هذا كله جائز لإرضاء الولي في دين الإسلام ، ما حكم ذلك؟
الجواب: الحمد لله ، السؤال يتضمن الاستفسار عن عدة أمور:
الأول: حكـم رفـع القبور وتشييـدهـا والبنـاء عليهـا .
ثانيا: عمل الاحتفالات .
ثالثا: النذر لأصحاب القبور وجمع الصدقات والتبرعات لإنفاقها في ذلك .
رابعا: التوسل بالأموات .
خامسا: التقريب لغير الله .
سادسا: الاستغاثة بأصحاب القبور .
سابعا: الإقامة في المقبرة والعكوف فيها والطواف بهم والغلو .
فالجواب على السؤال الأول وهو حكم رفع القبور وتشييدها والبناء عليها . فالحكم في هذه الأمور أنها لا تجوز ، فقد صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك والتحذير منه وتحريمه ، فإن هذا من الغلو الذي تكاثرت الأحاديث بالنهي عنه ، فإنه أعظم وسائل الشرك وأسبابه ، وبسببه وقع الشرك كما في الصحيح من حديث ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: سورة نوح الآية 23 وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا .
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت . وقال ابن القيم : قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم . والأحاديث المصرحة بالنهي عن البناء على القبور وتشييدها وتحريم الصلاة عندها وإليها كثيرة ، منها: عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي : صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/139). ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه . وعن جابر قال: صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . وأخرج البخاري من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولأحمد بسند جيد : صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2949),مسند أحمد بن حنبل (1/405). إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد ورواه أبو حاتم في صحيحه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337). لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن ، وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الصلاة (317),سنن أبو داود الصلاة (492),سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (745). الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رواه أحمد وأهل السنن وصححه أبو حاتم وابن حبان . وعن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صحيح مسلم الجنائز (972),سنن الترمذي الجنائز (1050),سنن النسائي القبلة (760),سنن أبو داود الجنائز (3229),مسند أحمد بن حنبل (4/135). لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : أما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه ؛ متابعة للأحاديث الصحيحة ، وصرح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريمه . قال: ولا ريب في القطع بتحريمه- ثم ذكر الأحاديث في ذلك- . . . إلى أن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين أو الملوك تتعين إزالتها بهدم أو غيره ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين .
وقال ابن القيم : يجب هدم القباب التي بنيت على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما زيارة القبور في يوم معين وعمل الاحتفالات عندها والإقامة عندها والعكوف . فهذه الأمور ليست من دين الإسلام ، بل من دين عبدة الأوثان ، فالتردد إليها في وقت معين أو اتخاذها عيدا ، الذي صرحت الأحاديث بالنهي عنه والتحذير منه ؛ لما ينشأ عنه من المفاسد . ولذا جاءت الأحاديث مصرحة بالنهي عن ذلك سدا لباب الشرك وحماية لجناب التوحيد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات . وأما الإقامة عندها والعكوف وعمل الاحتفالات فهو نفس ما كان عباد اللات والعزى يفعلونه عند هذه الأوثان ، ولا يشك مسلم في تحريم ذلك ، قال الله حاكيا عن المشركين: سورة الأعراف الآية 138 يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ وقال حاكيا عنهم : سورة الشعراء الآية 71 نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ .
وعن أبي واقد الليثي قال: سنن الترمذي الفتن (2180),مسند أحمد بن حنبل (5/218). خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر ، إنها السنن ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم رواه الترمذي وصححه .
وأما الطواف بالقبر ، وطلب البركة منه ، فهو لا يشك عاقل في تحريمه وأنه من الشرك ، فإن الطواف من أنواع العبادات ، فصرفه لغير الله شرك ، وكذلك البركة لا تطلب إلا من الله ، وطلبها من غير الله شرك كما تقدم في حديث أبي واقد الليثي .
وأما النذر للقبر فلا يجوز ، فإن النذر عبادة ، وصرفه لغير الله شرك أكبر ، كما قال الله سبحان: سورة الإنسان الآية 7 يُوفُونَ بِالنَّذْرِ .
وكما في الصحيح من حديث عائشة : صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور (6318,6322),صحيح مسلم كتاب الإيمان (183),سنن الترمذي كتاب النذور والأيمان (1526),سنن النسائي كتاب الأيمان والنذور (3806,3807,3808),سنن أبو داود كتاب الأيمان والنذور (3289),سنن ابن ماجه كتاب الكفارات (2126),مسند أحمد بن حنبل (6/224,6/36,6/41),موطأ مالك كتاب النذور والأيمان (1031),سنن الدارمي كتاب النذور والأيمان (2338). من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : وأما ما نذر لغير الله ؛ كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو بمنزلة الحلف بغير الله من المخلوقات ، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة ، وكذلك الناذر للمخلوقات ، فإن كليهما شرك ، والشرك ليس له حرمة . وقال فيمن نذر للقبور ونحوها دهنا تنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقول بعض الضالين . فهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به . وكذلك إذا نذر مالا للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة ، فإن فيهم شبها من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام : سورة الأنبياء الآية 52 مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ، سورة الشعراء الآية 71 قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ .
والـذين اجتـاز بهـم موسـى عليـه السـلام وقـومـه قـال تعالى : سورة الأعراف الآية 138 وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ .
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع معصية ، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ، أو لسدنة الأبداد في الهند أو المجاورين عندها . أ هـ .
والأدلة على تحريم النذر لغير الله ؛ كالنذر للأموات والشياطين ونحوها أكثر من أن تحصر . فاتضح أن النذر المذكور لأصحاب القبور أنه شرك أكبر . وذكر الشيخ قاسم الحنفي في شرح درر البحار وصنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء هذا النذر أنه شرك وكفر بالله رب العالمين ، وكذلك غيرهم من علماء المسلمين ذكر الإجماع على بطلان هذا النذر وتحريمه .
وأما جمع الصدقات وأنواع التبرعات ونحو ذلك لإقامة هذه المحافل فلا شك في تحريم ذلك ، وأنه إعانة على الإثم والعدوان ، ودعاية سافرة للشرك بالله سبحانه ، وتقدم كلام الشيخ أن هذا فيه شبه من النذر لسدنة اللات والعزى ومناة ونحو ذلك . وقد صرح العلماء بتحريم الذبح في المقبرة ؛ لما فيه من مشابهة المشركين ، ولأنه وسيلة إلى الشرك بالذبح للموتى والتقرب إليهم . ولا يخفى أن الذبح لغير الله كالذبح للأموات والجن والشياطين أنه شرك وكفر بالله رب العالمين ، وأدلة ذلك واضحة .
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنن أبو داود الجنائز (3222),مسند أحمد بن حنبل (3/197). لا عقر في الإسلام رواه أحمد وأبو داود . وقال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة في الجاهلية ، قال أحمد : كانوا إذا مات لهم ميت نحروا جزورا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
قال العلماء: وفي معنى الذبح عنده الصدقة ، فإنه محدث وفيه رياء . قال الشيخ تقي الدين في الاختيارات: ويحرم الذبح عند القبر . وقال في موضع آخر: وإخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة ، وهي تشبه الذبح عند القبر ، ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور؛ لا الصدقة ولا غيرها . ا هـ .
وأما التوسل بالأموات إلى الله سبحانه ، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله ، فهذا من أكبر المحرمات ، بل هو عين ما يفعله المشركون ، فإن المشركين ما كانوا يعتقدون أن اللات والعزى ونحوها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يتوسلون بها إلى الله ، كما قال تعالى حاكيا عنهم: سورة الزمر الآية 3 مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وقالوا: سورة يونس الآية 18 هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، وقال ابن القيم في نونيته: والشـرك فهـو تـوسـل مقصـوده زلفى إلـى الرب العظيـم الشأن
وقال الشيخ تقي الدين : أجمع العلماء أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كفر إجماعا حكاه عنه في الإقناع , وانظر كشاف القناع ج 6 ص 148 .
وأما الاستغاثة بأصحاب القبور أو الجن والشياطين أو نحو ذلك فهذا شرك أكبر مخرج من الملة الإسلامية ، فإن الاستغاثة عبادة قال الله تعالى: سورة النمل الآية 62 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ . وقال سبحانه: سورة يونس الآية 106 وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ أي المشركين ، كما قال سبحانه: سورة لقمان الآية 13 إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، سورة المؤمنون الآية 117 وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .
وفي حديث ابن عباس : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين ، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق ، فقال: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله قال ابن القيم في " المدارج ": ومن أنواعه- أي: الشرك- طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، فضلا عمن استغاث به وسأله أن يشفع له إلى الله ، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده .
وقال أبو الوفاء بن عقيل : لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم ، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع ؛ مثل تعظيم الموتى وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا ، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى . اهـ .
ومما تضمنه السؤال زيارة النساء القبور واجتماعهن مع الرجال عند القبور:
فأما زيارة النساء للقبور فلا تجوز ، بل صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك وتحريمه ، ففي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه .
وأما اختلاط النساء بالرجال سافرات الوجوه فلا شك في تحريم ذلك ، وأنه أعظم وسيلة إلى الفاحشة ، قال الله سبحانه: سورة الأحزاب الآية 33 وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى .
وأعظم من ذلك اعتقاد ذلك دينا ، وأنه يرضي الله ، وهو من المحرمات الظاهرة ، بل من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي ، بل بعض ما ذكر شرك صريح ظاهر .
وبالجملة فجميع ما تضمنه هذا السؤال هو من المنكرات في الدين . ومما يغضب رب العالمين وأولياءه الصالحين ، ولا يرضى بذلك من في قلبه أدنى غيرة لله سبحانه ، وأدلة ذلك واضحة من الكتاب والسنة ، ولكن الحال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: صحيح مسلم الإيمان (145),سنن ابن ماجه الفتن (3986),مسند أحمد بن حنبل (2/389). بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس .
وروي عن ابن مسعود أنه قال: " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يصير المعروف فيها منكرا والمنكر معروفا ينشأ على هذا الصغير ويهرم عليه الكبير إذا غيرت قيل غيرت السنة " . فالله المستعان . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
مصدر هذه الفتوى ( موسوعة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء )
مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والستون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1421هـ > الفتاوى > من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ > حكم الغلو في القبور والآثار
س: ما قولكم -دام فضلكم- في من يعقد عند أضرحة الأولياء والشهداء التي رفعت وشيدت احتفالا عظيما في يوم معين من كل سنة ، ويسمونه بالنذر السنوي ، ويجمعون له النذور والمدقات ، وينفقون تلك الأموال في الملاهي والألعاب المنوعة ، مع اختلاط النساء بالرجال ، كل هذا للتقرب إلى الولي بزعمهم ، وللتوسل إلى الله به ، والاستغاثة به ، ويزعمون أن هذا كله جائز لإرضاء الولي في دين الإسلام ، ما حكم ذلك؟
الجواب: الحمد لله ، السؤال يتضمن الاستفسار عن عدة أمور:
الأول: حكـم رفـع القبور وتشييـدهـا والبنـاء عليهـا .
ثانيا: عمل الاحتفالات .
ثالثا: النذر لأصحاب القبور وجمع الصدقات والتبرعات لإنفاقها في ذلك .
رابعا: التوسل بالأموات .
خامسا: التقريب لغير الله .
سادسا: الاستغاثة بأصحاب القبور .
سابعا: الإقامة في المقبرة والعكوف فيها والطواف بهم والغلو .
فالجواب على السؤال الأول وهو حكم رفع القبور وتشييدها والبناء عليها . فالحكم في هذه الأمور أنها لا تجوز ، فقد صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك والتحذير منه وتحريمه ، فإن هذا من الغلو الذي تكاثرت الأحاديث بالنهي عنه ، فإنه أعظم وسائل الشرك وأسبابه ، وبسببه وقع الشرك كما في الصحيح من حديث ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: سورة نوح الآية 23 وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا .
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت . وقال ابن القيم : قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم . والأحاديث المصرحة بالنهي عن البناء على القبور وتشييدها وتحريم الصلاة عندها وإليها كثيرة ، منها: عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي : صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/139). ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه . وعن جابر قال: صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . وأخرج البخاري من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولأحمد بسند جيد : صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2949),مسند أحمد بن حنبل (1/405). إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد ورواه أبو حاتم في صحيحه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337). لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن ، وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الصلاة (317),سنن أبو داود الصلاة (492),سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (745). الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رواه أحمد وأهل السنن وصححه أبو حاتم وابن حبان . وعن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صحيح مسلم الجنائز (972),سنن الترمذي الجنائز (1050),سنن النسائي القبلة (760),سنن أبو داود الجنائز (3229),مسند أحمد بن حنبل (4/135). لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : أما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه ؛ متابعة للأحاديث الصحيحة ، وصرح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريمه . قال: ولا ريب في القطع بتحريمه- ثم ذكر الأحاديث في ذلك- . . . إلى أن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين أو الملوك تتعين إزالتها بهدم أو غيره ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين .
وقال ابن القيم : يجب هدم القباب التي بنيت على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما زيارة القبور في يوم معين وعمل الاحتفالات عندها والإقامة عندها والعكوف . فهذه الأمور ليست من دين الإسلام ، بل من دين عبدة الأوثان ، فالتردد إليها في وقت معين أو اتخاذها عيدا ، الذي صرحت الأحاديث بالنهي عنه والتحذير منه ؛ لما ينشأ عنه من المفاسد . ولذا جاءت الأحاديث مصرحة بالنهي عن ذلك سدا لباب الشرك وحماية لجناب التوحيد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات . وأما الإقامة عندها والعكوف وعمل الاحتفالات فهو نفس ما كان عباد اللات والعزى يفعلونه عند هذه الأوثان ، ولا يشك مسلم في تحريم ذلك ، قال الله حاكيا عن المشركين: سورة الأعراف الآية 138 يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ وقال حاكيا عنهم : سورة الشعراء الآية 71 نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ .
وعن أبي واقد الليثي قال: سنن الترمذي الفتن (2180),مسند أحمد بن حنبل (5/218). خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر ، إنها السنن ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . قال: إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم رواه الترمذي وصححه .
وأما الطواف بالقبر ، وطلب البركة منه ، فهو لا يشك عاقل في تحريمه وأنه من الشرك ، فإن الطواف من أنواع العبادات ، فصرفه لغير الله شرك ، وكذلك البركة لا تطلب إلا من الله ، وطلبها من غير الله شرك كما تقدم في حديث أبي واقد الليثي .
وأما النذر للقبر فلا يجوز ، فإن النذر عبادة ، وصرفه لغير الله شرك أكبر ، كما قال الله سبحان: سورة الإنسان الآية 7 يُوفُونَ بِالنَّذْرِ .
وكما في الصحيح من حديث عائشة : صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور (6318,6322),صحيح مسلم كتاب الإيمان (183),سنن الترمذي كتاب النذور والأيمان (1526),سنن النسائي كتاب الأيمان والنذور (3806,3807,3808),سنن أبو داود كتاب الأيمان والنذور (3289),سنن ابن ماجه كتاب الكفارات (2126),مسند أحمد بن حنبل (6/224,6/36,6/41),موطأ مالك كتاب النذور والأيمان (1031),سنن الدارمي كتاب النذور والأيمان (2338). من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : وأما ما نذر لغير الله ؛ كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك فهو بمنزلة الحلف بغير الله من المخلوقات ، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة ، وكذلك الناذر للمخلوقات ، فإن كليهما شرك ، والشرك ليس له حرمة . وقال فيمن نذر للقبور ونحوها دهنا تنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقول بعض الضالين . فهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به . وكذلك إذا نذر مالا للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة ، فإن فيهم شبها من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام : سورة الأنبياء الآية 52 مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ، سورة الشعراء الآية 71 قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ .
والـذين اجتـاز بهـم موسـى عليـه السـلام وقـومـه قـال تعالى : سورة الأعراف الآية 138 وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ .
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع معصية ، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ، أو لسدنة الأبداد في الهند أو المجاورين عندها . أ هـ .
والأدلة على تحريم النذر لغير الله ؛ كالنذر للأموات والشياطين ونحوها أكثر من أن تحصر . فاتضح أن النذر المذكور لأصحاب القبور أنه شرك أكبر . وذكر الشيخ قاسم الحنفي في شرح درر البحار وصنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء هذا النذر أنه شرك وكفر بالله رب العالمين ، وكذلك غيرهم من علماء المسلمين ذكر الإجماع على بطلان هذا النذر وتحريمه .
وأما جمع الصدقات وأنواع التبرعات ونحو ذلك لإقامة هذه المحافل فلا شك في تحريم ذلك ، وأنه إعانة على الإثم والعدوان ، ودعاية سافرة للشرك بالله سبحانه ، وتقدم كلام الشيخ أن هذا فيه شبه من النذر لسدنة اللات والعزى ومناة ونحو ذلك . وقد صرح العلماء بتحريم الذبح في المقبرة ؛ لما فيه من مشابهة المشركين ، ولأنه وسيلة إلى الشرك بالذبح للموتى والتقرب إليهم . ولا يخفى أن الذبح لغير الله كالذبح للأموات والجن والشياطين أنه شرك وكفر بالله رب العالمين ، وأدلة ذلك واضحة .
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنن أبو داود الجنائز (3222),مسند أحمد بن حنبل (3/197). لا عقر في الإسلام رواه أحمد وأبو داود . وقال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة في الجاهلية ، قال أحمد : كانوا إذا مات لهم ميت نحروا جزورا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
قال العلماء: وفي معنى الذبح عنده الصدقة ، فإنه محدث وفيه رياء . قال الشيخ تقي الدين في الاختيارات: ويحرم الذبح عند القبر . وقال في موضع آخر: وإخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة ، وهي تشبه الذبح عند القبر ، ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور؛ لا الصدقة ولا غيرها . ا هـ .
وأما التوسل بالأموات إلى الله سبحانه ، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله ، فهذا من أكبر المحرمات ، بل هو عين ما يفعله المشركون ، فإن المشركين ما كانوا يعتقدون أن اللات والعزى ونحوها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يتوسلون بها إلى الله ، كما قال تعالى حاكيا عنهم: سورة الزمر الآية 3 مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وقالوا: سورة يونس الآية 18 هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، وقال ابن القيم في نونيته: والشـرك فهـو تـوسـل مقصـوده زلفى إلـى الرب العظيـم الشأن
وقال الشيخ تقي الدين : أجمع العلماء أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كفر إجماعا حكاه عنه في الإقناع , وانظر كشاف القناع ج 6 ص 148 .
وأما الاستغاثة بأصحاب القبور أو الجن والشياطين أو نحو ذلك فهذا شرك أكبر مخرج من الملة الإسلامية ، فإن الاستغاثة عبادة قال الله تعالى: سورة النمل الآية 62 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ . وقال سبحانه: سورة يونس الآية 106 وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ أي المشركين ، كما قال سبحانه: سورة لقمان الآية 13 إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، سورة المؤمنون الآية 117 وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .
وفي حديث ابن عباس : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين ، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق ، فقال: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله قال ابن القيم في " المدارج ": ومن أنواعه- أي: الشرك- طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، فضلا عمن استغاث به وسأله أن يشفع له إلى الله ، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده .
وقال أبو الوفاء بن عقيل : لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم ، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع ؛ مثل تعظيم الموتى وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا ، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى . اهـ .
ومما تضمنه السؤال زيارة النساء القبور واجتماعهن مع الرجال عند القبور:
فأما زيارة النساء للقبور فلا تجوز ، بل صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك وتحريمه ، ففي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه .
وأما اختلاط النساء بالرجال سافرات الوجوه فلا شك في تحريم ذلك ، وأنه أعظم وسيلة إلى الفاحشة ، قال الله سبحانه: سورة الأحزاب الآية 33 وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى .
وأعظم من ذلك اعتقاد ذلك دينا ، وأنه يرضي الله ، وهو من المحرمات الظاهرة ، بل من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي ، بل بعض ما ذكر شرك صريح ظاهر .
وبالجملة فجميع ما تضمنه هذا السؤال هو من المنكرات في الدين . ومما يغضب رب العالمين وأولياءه الصالحين ، ولا يرضى بذلك من في قلبه أدنى غيرة لله سبحانه ، وأدلة ذلك واضحة من الكتاب والسنة ، ولكن الحال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: صحيح مسلم الإيمان (145),سنن ابن ماجه الفتن (3986),مسند أحمد بن حنبل (2/389). بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس .
وروي عن ابن مسعود أنه قال: " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يصير المعروف فيها منكرا والمنكر معروفا ينشأ على هذا الصغير ويهرم عليه الكبير إذا غيرت قيل غيرت السنة " . فالله المستعان . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
مصدر هذه الفتوى ( موسوعة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء )
مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والستون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1421هـ > الفتاوى > من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ > حكم الغلو في القبور والآثار