قبل أيام أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عن وجود حياة على المريخ،
كما أعلنت وجود كميات هائلة من الماء على سطح القمر، ولكنها لم تذكر لنا
كيف ننقل تلك المياه إلى الأرض. وهكذا فإن ناسا تقول لنا: لا تشغلوا بالكم
بالدفيئة الحرارية، وتغير المناخ على الأرض، ونحن سنوفر لكم أرضا جديدة في
المريخ.
ويبدو أن الأمريكيين هم الوحيدون الذين يتحدثون عن وجود حياة خارج الأرض،
في مجموعتنا الشمسية، فأول نظرية عن وجود حضارة سادت ثم بادت على سطح
الكوكب الأحمر خرجت من دماغ مفكر أمريكي، وأول مسلسل إذاعي عن تعرض الأرض
لهجوم من جانب سكان المريخ كتبه وأخرجه إذاعي أمريكي اسمه أورسون ويلز،
وأول فيلم سينمائي جرى إنتاجه عن وجود حياة في الكواكب الأخرى كان من
إنتاج هوليوود.
ونحن لا نستبعد وجود حياة في بعض الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، أما في
مجموعتنا الشمسية فلا حياة إلا على الأرض، وحديث ناسا عن حياة في المريخ
يذكرنا بحديث الحياة على سطح القمر، وهي بدعة أمريكية ايضا أطلقها عام
1835 الصحافي الأمريكي ريتشارد لاكي الذي كان يترأس تحرير جريدة
ال”نيويورك صن”، فقد فوجئ هذا الصحافي بانصراف القراء عن جريدته بسبب
ميلها إلى المبالغة وتلفيق الأخبار، وبدلاً من معالجة الوضع والكف عن
المبالغة والتلفيق نشر سلسلة من المقالات عن الرحلة التي قام بها العالم
البريطاني جون هيرشل إلى جنوب إفريقيا عام 1834. وفي المقالات أطلق
ريتشارد لخياله العنان، فقال إن هيرشل اكتشف وجود حياة على سطح القمر،
وأضاف أنه استخدم تليسكوبا عملاقاً اكتشف بواسطته وجود حيوانات غريبة على
القمر، وشاهد جواهر ولآلئ وأحجاراً كريمة ضخمة على شواطئه وفي مروجه
الخضراء، وعند مساقط المياه فيه، تنتظر من يأتي إليها وهو يحمل أكياسا
لتعبئتها. وفي المقالات نسب الصحافي إلى هيرشل قوله إنه شاهد عبر التلسكوب
سكان القمر وقال إنهم قصار القامة ولهم أجنحة من أغشية رقيقة، وهم يمشون
على الأرض ويطيرون في الهواء إذا أرادوا، لأنهم يمتلكون قدرات تفوق قدرات
البشر.
وجون هيرشل الذي نسب الصحافي له هذا الكلام شخص رزين ومحترم، وعالم فلكي
بارز، وهو الذي اكتشف الكوكب أورانوس الذي لا يزال بعض الفلكيين يطلق عليه
اسم “هيرشل” نسبة له. وعندما قرأ هذا الكلام المنسوب إليه طار صوابه وأعلن
أنه لم يقل شيئاً من هذا القبيل على الإطلاق، وأن كل ما نسب إليه كذب في
كذب، الأمر الذي أثار ضجة في حينه عرفتها الصحافة الأمريكية باسم “فضيحة
القمر”، ومنها خرج تعبير “الصحافة الصفراء” لوصف الجريدة التي يترأس
تحريرها ريتشارد لاكي.
والكلام عن الحياة في المريخ شبيه بالكلام عن الحياة على سطح القمر، ولكن
المشكلة هي أن النيازك المريخية التي تهبط على الأرض بين الحين والآخر لا
تستطيع أن تعقد مؤتمراً صحافياً تكشف فيه “الإثارة العلمية” التي لجأ
إليها علماء وكالة الفضاء الأمريكية.
